الفضائيات المذهبية في لبنان إرهاب فكري ونفسي
لُوحظ في الفترة الأخيرة تنامي ظهور الفضائيات ذات الخلفيات المذهبية في لبنان والعالم العربي. والمشكلة في لبنان أنّ معظم هذه الفضائيات غير مرخّصة، وهي تعمل على استنفار المشاعر الدينية، وهذا الاستنفار يتم على قاعدة مذهبية، الأمر الذي يدل على أن وجود هذه المحطات لم يكن ولا مرة بهدف التشجيع على الإيمان بل كان دائماً بهدف الاستغلال السياسي.
المسؤولية على المجلس الوطني للإعلام
تلفت الباحثة في الشأن الاعلامي “ريتا غالب” في حديثها لـ “أحوال” إلى أنّ معظم الفضائيات الدينية في لبنان، هي فضائيات غير مرخصة للعمل، وهي تنتشر في الكثير من الأحياء والمناطق دون أن تعمل الدولة اللبنانية على ملاحقتها ومنعها من البث”. غالب تلقي بمسؤولية الوضع على المجلس الوطني للإعلام، والذي برأيها عليه أن يتحرك، ويطلب من الدولة اللبنانية إقفال هذه المحطات. وهي لا تعفي الدولة من مسؤولياتها، وترى أن ضعف الدولة في لبنان قد سمح لجهات غير لبنانية بالعمل على تمويل إنشاء محطات فضائية دينية تقوم ببث خطاب مذهبي أرعن، يحرّض على الحقد والكراهية بين أبناء الطوائف. وقد أتى ذلك على حساب الأصوات العاقلة الداعية إلى المحبة والتوافق بين أبناء الطوائف، والتي لم تسمح لها ظروفها المادية بالوقوف إعلامياً أمام أصوات النشاز الصادرة عن الخطاب الطائفي المذهبي.
لا سلطة تنفيذية للمجلس الوطني للإعلام
من جهته، يرى نائب رئيس المجلس الوطني للإعلام في لبنان “ابراهيم عوض” في حديثه لـ “أحوال”: أنّه بالرغم من محاولة البعض إشاعة خطاب ديني متشنج في لبنان عبر إستخدامه وسائل إعلامية معينة وفي طليعتها الفضائيات الدينية، فإنّ هذا الخطاب مازال تأثيرهُ محدوداً على اللبنانيين. حتى وإن كان قد استطاع أن يفعل فعله سلباً في نفوس البعض، بحيث انحرفوا نحو التطرّف الديني. ويؤكد “عوض” على أنّ معظم الفضائيات الدينية الموجودة في لبنان هي فضائيات غير مرخصة، وهي تقدم برامجاً لا علاقه لها بجوهر الدين.
وعن كيفية تعاطي المجلس الوطني للإعلام مع هذه الظاهرة، يجيب عوض قائلاً: “اذا كانت هذه الفضائيات تلتزم في عملها المعيار الديني البعيد عن الخطاب المذهبي المتشنج فلا شك أنّنا نرحب بها، ونعمل على مساعدتها في القيام بدروها في نشر الدين السمح بين الناس، أما اذا كان الهدف من إنشائها هو بث الفرقة والسموم بين أبناء الشعب الواحد والتحريض على الاقتتال بين الطوائف والمذاهب فيجب محاربتها وافقالها، وهذه مسؤولية الدولة، التي ندعوها للقيام بواجباتها.
إلى ذلك، لا يفصل عوض بين انتشار هذه الظاهرة في لبنان وانتشار الخطاب الديني الطائفي في عدد من الدول العربية منذ سنوات عدة. ويقول: “لا شك أنّ تطوّر الأحداث في العالم العربي في السنوات الاخيرة، وخاصة تلك التي اصطُلح على تسميتها بالربيع العربي لم تحمل معها سوى إزدهار البغض والكراهية والنعرات المذهبية بين أبناء الديانة الواحدة والشعب الواحد إلى درجة أننا أصبحنا في زمن داعش والنصرة، والذي تُرتكب فيه المجازر والمعاصي باسم الدين.
ودعا عوض إلى قيام تحرك شعبي ورسمي على كافة المستويات من أجل مواجهة هذه الافكار التكفيرية، والتي أصبحت تروّج لخطاب الكراهية عبر وسائل اعلامية انشأتها لنفسها.
وعن دور المجلس الوطني للإعلام في الحد من انتشار هذا النوع من الخطاب، أوضح عوض، لابدّ من التذكير هنا أنّ المجلس الوطني للإعلام هو مجلس استشاري، ولا يملك سلطة القرار، ونحن من خلال موقعنا نقوم بكل ما يمكن فعله من أجل مكافحة ظاهرة التطرّف الديني والحد من انتشاره؛ وذلك من خلال التواصل مع جميع المؤسسات الإعلامية وحضها على الإبتعاد على كل ما يثير الفرقة بين أبناء الشعب الواحد؛ ولكن هذا يبقى في إطار المواعظ، وذلك بسبب عدم وجود صلاحيات تنفيذية لدى المجلس الوطني للإعلام لتعطيه حق التصرف بحزم تجاه كل من يخالف قانون الإعلام في لبنان.”
السلطة السياسية مُتهمة
نائب رئيس المجلس الوطني للإعلام اتهم في حديثه الطبقة السياسية لناحية عدم الجدية في التعاطي مع هذا الملف، وقال: “لا توجد إرادة سياسية لدى الحكم في لبنان لمواجهة هذا الخطاب الطائفي المتشنج الذي يخرج عن القانون، ويشذ عن كل قواعد العيش المشترك بين اللبنانيين.
ويضيف، “من المؤسف أن هذا النوع من الخطاب الديني قد وصل إلى مرحلة تخطى فيها كل الحدود والضوابط. ولكن مع ذلك مازال هناك إمكانية كبيرة للسيطرة عليه ولجمه، ولكن كي يحدث ذلك يجب أن تتوفر أولاً الإرادة السياسية، والتي هي غير متوفرة حتى الآن لا في لبنان، ولا عند بعض الدول العربية، التي تعمل على رعاية هذا النوع من الخطاب، وتقوم بتمويله وتعزيز حضوره الإعلامي.
“عوض” أشار أيضاً إلى زيارة قام بها وفد من المجلس الوطني للإعلام إلى مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان عقب انتخابه مباشرة مفتياً؛ حيث شكا إليه انتشار الخطاب الديني المتطرف، فكان جوابه أنه سيوعز لخطباء المساجد في الشمال عامة وطرابلس خاصة بإعتماد خطاب ديني معتدل يجمع بين الناس ولا يفرق عكس ماهو حاصل الان عند الكثيرين منهم. ولكن الذي تبين فيما بعد هو أنه على الرغم من صدق نوايا المفتي، فهو لا يملك الأداة التنفيذية التي تمكنه من فرض قراره.
أجهزة مخابرات وراء انشاء هذه الفضائيات
أما الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد “هشام جابر”، فقال لـ “أحوال: “مما لاشك فيه أنّ الكثير من الفضائيات الدينية في لبنان والعالم العربي قد أُنشأت ليس للترويج للأديان بمعانيها السامية؛ بل لغرض أخر مختلف تماماً، وهو الحض على إيقاع الفتنة. ويضيف جابر، الملفت أنّ معظم هذه الفضائيات غير مُتبناة من جهات سياسة واضحة، مما يعني أنّ هذه الوسائل هي وسائل اعلامية مشبوهة، ومن غير المُستبعد أن تكون مموّلة من أجهزة مخابرات معادية.
الصراع سياسي وليس ديني
جابر يري أيضا أن وجود هذه الفضائيات هو نتيجة صراع سياسي، وهو أحد الأسلحة المستعملة في اذكاء هذا الصراع، وذلك من خلال بث خطاب ديني تحريضي يؤدي إلى تفاقم الخلافات وازدياد التفرقة. ويقول أيضاً: ” بالنسبة للمسلمين، ليس هناك مذهب سني ومذهب شيعي؛ فالمذاهب عند الإسلام معروفة، وهي أربعة عند السنة: المالكي والحنفي والشافعي والحنبلي، وواحد عند الشيعة وهو المذهب الجعفري؛ والباقي هي فرق إسلامية منها من ينتمي الى السنة ومنها من ينتمي الى الشيعة.
ويقول: “بروز هذا الخطاب أتى بشكل خاص مع غياب جمال عبد الناصر وأفول نجم القومية العربية، والتي راح بعدها الشباب العربي يبحث عن اتجاهات أخرى، فكان أحد ابرز متلقفيه هو التيار الديني، وهنا كانت المشكلة. فبينما كان التيار القومي العربي هو تيار جامع لكل الطوائف والمذاهب، أتى التيار الديني ليأخذ هذا الشباب نحو التفرقة، وإلى إلغاء الآخر عن طريق القتل والذبح”.
بالرغم من كل ذلك، يرى العميد جابر أن هذا الخطاب مازال ممكناً لجمه والسيطرة عليه، وذلك من خلال استقدام وسائل تقنية متطورة يمكنها التشويش على هذه الفضائيات المتطرفة ومنعها من البث أولاً، ومن خلال تجفيف مصادر تمويل هذه الفضائيات ثانياً.
نبيل المقدم